هل أخطأت السعودية في حساباتها هذه المرة أيضا؟

هل أخطأت السعودية في حساباتها هذه المرة أيضا؟

حملة الإعدامات في السعودية والأخطار التي يمكن أن تترتب عليها داخليا وخارجيا..

هل أخطأت السعودية في حساباتها هذه المرة أيضا؟

المصدر: "راي اليوم"

إذا كان الهدف من تنفيذ أحكام الإعدام بالرصاص، أو بحد السيف، في حق 47 متهما بـ"الإرهاب" في المملكة السعودية هو "إرهاب" الآخرين، ومنعهم من الإقدام على أي أعمال احتجاج، أو هجمات، وعنف ضد النظام ومؤسساته ومصالحه، فإن ما قد يترتب عليها من ردود فعل، ونتائج قد تكون عكسية تماما.

من المؤكد أن العهد السعودي الجديد الذي بدأ بتولي الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة قبل عام تقريبا، يريد أن يعزز الانطباع الذي يقول بأنه "عهد الحزم" وممارسة سياسة القبضة الحديدية، والتخلي عن سياسة "المهادنة" التي اتبعها الملوك السابقون، وأول تطبيق لهذا "التحول" جاء من خلال إعلان الحرب في اليمن لمواجهة التحالف "الحوثي ـ الصالحي" تحت ذريعة مواجهة النفوذ الإيراني، وها هو يدشن مطلع العام الميلادي الجديد بهذا العدد الضخم من الإعدامات التي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1980، حيث جرى إعدام 63 متشددا "إسلاميا" اقتحموا الحرم الملكي الشريف بقيادة "الداعية" جهيمان العتيبي.

الحزم ضروري وعلى درجة كبيرة من الأهمية، شريطة أن يأتي في التوقيت المناسب، ويمتلك أصحابه أدوات القوة وعناصرها، وفي إطار استراتيجية محكمة، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية ملائمة، ولا نعتقد أن هذه الشروط، أو معظمها، متوفرة حاليا في الحالة السعودية، فليس من الحكمة خوض حربين في الوقت نفسه، واحدة في سوريا، وأخرى في اليمن، لمواجهة النفوذ الايراني، في وقت يتعزز هذا النفوذ باتفاق مع الولايات المتحدة، والدول الست العظمى، تنهي حصار امتد لما يقرب من الثلاثين عاما، وتلقي دولة عظمى مثل روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي خلف النظام السوري، وتخوض حربه مباشرة ضد معارضيه المسلحين، وتتراجع العوائد النفطية، وتتسم سياسات الحليف الامريكي التاريخي بالتردد والارتباك.

إعدام 46 سنيا متهمين بالتشدد، وتبني فكر تنظيم "القاعدة"، والاقدام على احتجاجات وتفجيرات، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بين أعوام 2003 الى 2006، من أجل التغطية على إعدام "الداعية الشيعي" نمر النمر، المتهم بالتحريض على احتجاجات سلمية تطالب بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، على غرار ثورات الربيع العربي الأخرى التي حظيت وتحظى (في سوريا) بدعم القيادة السعودية، لن يخفي الحقائق، ولن يمتص حالة الغضب والاحتقان في أوساط أبناء الطائفة الشيعية، بل قد يؤدي لاول مرة الى توحيد "الغضبين" السني والشيعي معا، وإقدام خلايا متطرفة من الجانبين على ردود فعل انتقامية في الوقت نفسه.

نحن في هذه الصحيفة "رأي اليوم" ندين الإرهاب الذي يفتك أرواح الضحايا الأبرياء ويزعزع الأمن والاستقرار بأشكاله كافة، ونفرق بينه وبين المطالبة المشروعة بالحريات والإصلاح، والحق في الاحتجاج، على المظالم والقمع والفساد ومصادرة الحريات، ومن هذا المنطلق، نعارض أحكام الإعدام وتمثيلها من قبل المملكة العربية السعودية، عندما تصدر عن نظام قضائي يفتقد إلى المصداقية، ولا يتوفر فيه الحد الأدنى من قيم العدالة وآلياتها، ولهذا ندين تنفيذها في حق المتهمين الـ47 فجر هذا اليوم داخل سجون المملكة في 12 مدينة، فجميع الذين جرى تنفيذ هذه العقوبة في حقهم لم يحظوا بمحاكم عادلة، ولم يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، في ظل نظام قضائي يحكم على "مغرد" على "التويتر" الجلد والسجن عشر سنوات، ويمنع شاعرة من الكتابة في الصحف، وحق التعبير بالتالي، لخمسة عشرة عاما، وبأمر من أمير منطقة وليس من محكمة رسمية، وبسبب قصيدة، وهو الشاعر والمثقف.

الاضطهاد والإقصاء والقمع في المملكة العربية السعودية هي الممارسات الوحيدة، التي يمكن القول، بأنها تتم ليس من منطلقات مذهبية أو طائفية، لأنها لا تفرق بين سني وشيعي عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بالحريات والإصلاحات والعدالة، ولكن لا بد من الاعتراف بأن أبناء الأقلية الشيعية كانوا الأكثر معاناة، وتعرضوا طوال عقود لمعاملة تمييزية إقصائية، وكمواطنين من الدرجة الثانية موضع شكوك في ولائهم، ومن يقول غير ذلك، مكابر يتعامى عن الحقيقة.

لا نريد أن نستبق الأمور، ولكننا نكاد أن نجزم بأن تنفيذ أحكام الإعدام هذه ستترتب عليها أعمال انتقامية، وردود فعل خطيرة، مما قد ينعكس سلبا على أمن المملكة واستقرارها، ويصب المزيد من الزيت على نار مشاكلها الأمنية المتفاقمة، ويزيد من ضخامة حجم ملفها المتعلق بغياب الحريات والقضاء العادل، ناهيك عن استقلاليته، وانتهاك حقوق الإنسان.

إن أكبر أعداء السعودية هم الذين يأتون من صلب نظامها، ويتبنون مثل هذه السياسات والمواقف التي تفاقم من أزماتها، وتفجرها حروبا في الداخل، إلى جانب حروبها الأخرى في الخارج، التي ما زالت في بداياتها، وتستعصي على الحزم والحسم معا، وقد تمتد لعقود.

حروب الخارج مكلفة بشريا وماليا وسياسيا وعسكريا، لكن حروب الداخل، إذا ما اندلعت، هي الأكثر كلفة على الصعد كافة، خاصة عندما تتفجر في الوقت الخطأ، وفي ظل احتقان شعبي كبير، وأوضاع اقتصادية مأزومة، وبطالة مرتفعة.

من جرى تنفيذ أحكام الإعدام بهم لهم حواضن وامتدادات شعبية وقبلية وطائفية، مثلما لهم أنصار في الداخل والخارج، ولا نعتقد أن من اتخذ القرار، حسب حساباته جيدا، تماما مثلما فعل عندما ورّط بلاده في حروب خارجية، واليمنية منها خاصة.

أيام المملكة القادمة صعبة، بل صعبة جدا، ونكتفي بهذا القدر.

 

 

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024