السعودية المهزومة في اليمن بين الخوف والرجاء من واشنطن

السعودية المهزومة في اليمن بين الخوف والرجاء من واشنطن

ترجمة: هاشم المطري-*المراسل نت

 

سبستيان سونس| صحيفة “ذا اروبن” الألمانية:

 

يُنظر إلى انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكي بشعور متقلب من قبل المملكة العربية السعودية، الحليف العربي الأقرب لواشنطن. فمن ناحية، هناك تهديدات خاصة فيما يخص الانعزال الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، ومن ناحية أخرى تأمل الرياض في دعم أمريكي ضد إيران. لكن طالما بقيت مواقف ترامب متناقضة فان الشعور بعدم الأمان لدى السعوديين يظل كبيراً.

يعتبر دونالد ترامب معلما في الاستفزاز. وعلى السعودية اليوم خوض التجربة معه. فبالرغم من أن السعودية تعتبر منذ عقود أهم حليف للولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي، غير أن تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في شهر مارس 2016 حول المستقبل المحتمل في العلاقات مع المملكة السعودية أرعد فرائص السعوديين حين قال: “لقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية في حماية السعودية لفترة طويلة رغم أن المملكة هي اليوم في ظاهرة “نشوة ثراء”. لولانا ولولا حمايتنا لم يكن للسعودية وجود غير أن خدماتنا هذه لم تلقى التشريف المناسب من قبل الجانب السعودي”. لذلك يريد ترامب التخلي عن استيراد النفط السعودي. حيث تعتبر المملكة العربية السعودية ثاني أهم مصدر للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية إلى كندا بحصة تقدر ب 11%. لقد كانت كلمات أثارت مسامع السعودية وهو ما جعل أيضا وزير الطاقة السعودي يطأطئ رأسه قائلاً في شهر نوفمبر 2016 “إن إيقاف وأرادت النفط السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية من قبل ترامب أمر غير صحيح. ولذالك فان ردود الفعل في السعودية حول فوز ترامب يعتريها خوف مصحوب بالرجاء.

من ناحية ثانية، رحب السعوديون بخطاب ترامب المناهض لإيران. فهو يعتبر إيران كأكبر تهديد في الشرق الأوسط والأدنى واستنكر بشدة الاتفاقية التي شارك في صنعها خلفه باراك اوباما حول البرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات التي أعقبت ذلك الاتفاق. تصريحات ترامب تلك لقيت رضا كبيرا من الحكومة السعودية. فالسعودية تعتبر أنها محاصرة من قبل الأعداء الإيرانيين – في اليمن والبحرين وفي سوريا.

السياسة الخارجية للسعودية في ظل حكم سلمان هي ذات دوافع عدوانية وقد دخلت في حرب فاشلة وكارثية على اليمن. إن أي توجه لترامب ضد إيران يصب في مصلحة السعوديين وقد يحسن في الوقت نفسه من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي اهتزت مخلفة صورة عدائية بين الطرفين. ليس فقط بسبب سياسة اوباما تجاه إيران بل أيضا تخلي اوباما السريع عن الحليف المقرب للسعودية الرئيس المخلوع حسني مبارك في العام 2011 وكذلك المشاركة الجزئية لواشنطن في سوريا ضد عدو السعودية بشار الأسد كل ذلك أدى إلى برود العلاقة بين واشنطن والرياض في الأعوام الأخيرة.

 سياسة التناقضات:

بالتأكيد وكما هو الحال في مجالات أخرى كثيرة هناك تناقضات تعتري تصريحات ترامب. فمن ناحية يعتبر ترامب أن إيران عدو للولايات المتحدة الأمريكية. ومن ناحية ثانية يؤيد ترامب التعاون مع الأسد وروسيا ضد “الدولة الإسلامية”. ففي كل مرة يعبر ترامب عن عزمه في اقتلاع الأصولية الإسلامية المتشددة من على وجه الأرض. كما أكد ذلك في خطاب التنصيب حديثا. غير أن هذا الإجراء يتناقض مع عقليته في تقويض إيران.  فإيران مازالت دائما الحليف الأقرب للأسد. بالتالي فان خطط ترامب تجاه سوريا محيرة للسعوديين كون التعاون الأمريكي مع الرئيس السوري وروسيا سوف يقوي من عضد الخصم اللدود للسعودية إيران. لذلك وصفت الصحفية رغيده درغام رئاسة ترامب أنها “غامضة” :لا احد يعلم حقيقة ما يخطط له ترامب حقيقة حتى السعوديين”.

مبدئيا تعتبر الرياض فوز ترامب تحول في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط والأدنى: حيث يحرص الرئيس الجديد على اتخاذ سياسة انعزالية وحماية يمكن للنظام السعودي الاستبدادي استغلاله في تحقيق مصالحه. وهنا يأمل آل سعود في أن يعزز ترامب دعم واشنطن للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي لم يكن له أهميه في عهد باراك اوباما.

(الترجمة خاصة بموقع المراسل نت ويرجى التنويه لذلك في حال الاقتباس أو إعادة النشر وكذلك المصدر)

لقد كانت مصر في عهد الرئيس السابق مبارك تتصرف كضامن عسكري لأمن المملكة العربية السعودية. ولكن في السنوات الأخيرة بردت أيضا هذه العلاقة. فالحاكم الجديد لمصر عبد الفتاح السيسي رفض طلب المملكة العربية السعودية بإرسال قوات للمشاركة في الحرب في كلا البلدين اليمن وسوريا وتحول إلى المحور الداعم للأسد. كلا البلدان يعتبران شوكة في حلق السعودية. رغم ذلك لا تنفك المساعدات المالية السعودية في التدفق إلى جارتها المريضة مصر. تأمل السعودية في عهد الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا ترامب إعادة مصر إلى “مسارها” الأول.

الانعزالية والحماية:

تخشى السعودية أيضا من سياسة ترامب الانعزالية. ففي حال تم اخذ كلامه على محمل الجد في التخلي عن النفط السعودي فسيكون لهذا النهج عواقب وخيمة على الاقتصاد السعودي. فالسعودية تعاني منذ فترة قريبة من تراجع أسعار النفط ومشاكل اجتماعية واقتصادية مثل ضعف القطاع الخاص وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتراجع الاحتياطي الأجنبي. كما إن إيقاف صادرات النفط إلى الولايات المتحدة يمكن أن يفاقم الأزمة الاقتصادية وهذا يشكل بالتالي خطرا على استقرار البلاط الملكي السعودي. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس تعتبره الرياض لأسباب إيديولوجية أمراً غير مقبول. فالسعودية تعتبر نفسها خادمة للحرمين الشريفين” مكة المكرمة والمدينة المنورة وهي بذلك تعتبر نموذجا يحتذى به من قبل جميع المسلمين، وللفلسطينيين أيضا. في هذا السياق فان مثل هكذا تصرف يعتبر إهانة من قبل ترامب. المملكة السعودية، التي تستمد شرعيتها إلى حد كبير من صورتها كزعيم ديني، لا يمكن أيضا القبول بخطابات ترامب المعادية للإسلام كون مثل هذه الانتقادات للتخويف من الدين الإسلامي موجه- على الأقل بشكل غير مباشر– ضد سياسة التبشير السعودية التي تمارسها خاصة في العقود الأخيرة. فالجمعيات الخيرية السعودية مازالت تمول المؤسسات ورجال الدين الحاملين للأفكار المتطرفة في جميع أنحاء العالم. كثير منهم يلقى دعماً مباشر من قبل العائلة المالكة في السعودية. الفكر الوهابي الذي يعتبر عقيدة سنية تؤمن بالعنف والتي نشأت منذ المهد في المملكة العربية السعودية وتلقى رعاية من قبل البلاط الملكي السعودي تعتبر المصدر الملهم لعدد كبير من التنظيمات الجهادية من بينها أيضا الدولة الإسلامية داعش. إن عدد 15 من أصل 19 إرهابي من منفذي اعتداءات 11 من سبتمبر يحملون الجنسية السعودية. حتى أسامة بن لادن كان من مواليد السعودية. لذلك تعتبر السعودية للكثيرين “منبع الإرهاب الجهادي” واستناداً لقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” تم إصدار تشريع أمريكي يمكن ضحايا 11/9 في رفع دعاوى ضد الحكومة السعودية على خلفية ضلوعها المحتمل في الاعتداءات وقد فشلت  محاولات باراك أوباما في منع صدور هكذا قانون لحماية الشريك الاستراتيجي السعودي. أما ترامب فقد صرح بكل وضوح خلال الحملة الانتخابية انه يعتبر استخدام أوباما لحق النقض الرئاسي خطأ وانه سوف يصادق على القانون. هذا التوجه لترامب من شأنه أن يشكل ضربه في عنق الأسرة الملكية السعودية وضربة عميقة للعلاقات السعودية الأمريكية.

أمل في تحالف الأقوياء:

إن تحققت التخوفات السعودية فيمكن أن تكثف السعودية من سياستها الخارجية العدوانية المستمرة حتى الآن. أما العواقب فيمكن أن تتسبب في تنامي التحرر من “الأخ الأكبر” الولايات المتحدة الأمريكية، وتكثيف الصراع مع إيران، وتحول أكثر في المسار السعودي باتجاه الصين مع مواصلة الحرب في اليمن. غير أن الرياض مازالت تأمل في إحياء التحالف القديم مع الولايات المتحدة وتشكيل تحالف “الأقوياء” سلمان- ترامب. فهذا الأخير مازال يصرح دائماً: “إن السعوديون يشترون الشقق مني. لقد انفقوا 40 إلى 50 مليون دولار امريكى. هل اعجز من إيلامهم؟ لكن بالتأكيد، فأنا أحبهم كثيرا”.

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024