خصائص التكفيريين: الخوارج في صدر الإسلام أنموذجا

خصائص التكفيريين: الخوارج في صدر الإسلام أنموذجا

الأستاذ/ حمود عبدالله الأهنومي

قصدت بالتكفير هنا هو الحكم على فرد أو جماعة ظاهره أو ظاهرهم الإسلام بالخروج عن دائرة الدين الإسلامي من غير دليل قاطع، وعنيت بالتكفيريين هم من أطلقوا تلك الأحكام في فترة صدر الإسلام ضد المسلمين بصورة مبالَغٍ فيها، وقصدْتُ بالخوارج تلك الطائفة أو أهل ذلك المذهب الذين حكموا بالكفر على مخالفيهم بأمور ليست من الكفر في شيء، وأتبعوا تلك الأحكام بتنفيذ عمليات حربية وقتالية ضدهم، وكانوا يرون كفر صاحب الكبيرة، كما كانوا يرون القول بالخروج على الأئمة الظالمين.

تمهيد في مراحل تكوّنهم:

لم يكن اتجاه التكفيريين الأوائل (الخوارج) وليد حادثة التحكيم في صفين سنة37هـ، بل يبدو أن له جذورا واضحة قبلها، لكنها دفعت بهم إلى إظهار موقفهم واتخاذهم موقفا مناوئا لأمير المؤمنين علي عليه السلام، لكنهم بعدها صاروا كيانا معيّنا منتظِما تحت قيادة واحدة، لقد كانوا قبل ذلك عبارة عن أفكار وسلوكات عنيفة تظهر في أفرادهم، ونستشفُّ ذلك مثلا في الطريقة القاسية والعنيفة في التعامل الذي أبداه ذو الخويصرة التميمي الذي جاء إلى رسول الله يأمره بالعدل في قسمة الفيء، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يخرج من ضئضئه "قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا مُرُوقِ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ"[1]، وفي روايات "تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم، لكنه لا يجاوز تراقيهم"، إن هذا يعبِّر عن حالة التدين الجاهل والمغرور والمرائي، التي تنطلق من قناعات سطحية تدور حول اللسان، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبيِّن أنهم قوم لا علاقة للدين بقلوبهم، وأن دينهم ليس إلا شكلا جافا وظاهريا وسطحيا لا يتصل بالقلب، ولا علاقة له بالقيم الجميلة التي يغرسها الدين في قلب صاحبه، لقد سُلِب قلبه بتأثير القناعات الساخنة التي يحملها والتي جعلت منه كتلة جهنمية وحشية كالنار لا تبقي ولا تذر فيها ودا لأحد.

ولما استغل بنو أمية ضعف الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وقاموا معه "يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع" على حد عبارة الإمام علي عليه السلام، وظهر للأمة وكأن الخلافة إقطاعية أموية، أثار هذا الأمر المسلمين لا سيما الفقراء منهم والمتدينين، وثاروا ثورة أفضت إلى مقتل عثمان، وظهر في هؤلاء الثوار من كان يحمل نفَسا متشددا، وهم في الغالب أولئك العراقيون من البصرة والكوفة الذين كانوا على محبة عظيمة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وحضروا بعض دروس الوعظ لدى الصحابي عبدالله بن مسعود، وسمعوا انتقاداته ضد عثمان قبل عزله والانتقام منه.

إذا تتبعنا المكان الجغرافي الذي ينتمي إليه أغلب قادة الخوارج في حروراء نجد أنهم ينتمون إلى قبائل نجدية، وبالأخص بنو تميم، حيث الطبيعة القاسية، وشدة الحرارة، وسخونة الهواء، واشتداد الريح، وشظف العيش، وحيث البساطة، والسطحية، وحيث الطبيعة تدعو ساكنيها لأن يكونوا بمستوى مناسب من الشدة والغلظة، وحيث توجد فيها علاقات سطحية قاسية وشديدة وحادة، فلا لين ولا اعتدال في الصحراء، وحيث تقسِّم العلاقاتُ الناسَ تقسيما حادًّا أفقيا وعموديا، بهذه البدوية وبهذه السطحية وصلوا إلى العراق أيام الفتوحات، وهناك أخذوا بعضا من العظات التي سمعوها من بعض الصحابة والتي جاءت في سياق النقد لسياسات عثمان، وقد برزت في آخر أيامه أزمة مالية كبيرة عند توقف موجة الفتوحات الأولى، فألقت بظلالها السيئة على هؤلاء المحاربين المسجّلين في ديوان العطاء، في الوقت الذي يجدون هم أقارب عثمان يتقلَّبون في النعيم والأموال، والتي دخلت تحت حكم الإسلام بسيوفهم وسيوف الفاتحين الآخرين.

حين شبّت معركة الناكثين (الجمل) وهزم فيها معسكر أم المؤمنين عائشة، فنقموا على علي عليه السلام أنه منعهم من سبي نساء أهل الجمل المهزومين وذراريهم؛ إذ كيف استحل مالهم، دون نسائهم والذرية؟!

فقال لهم الإمام عليه السلام: إنما أبحت لكم أموالهم بدلاً عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة، قبل قدومي عليهم، والنساء والذرية لم يقاتلونا. لقد كان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام، ولم يكن منهم ردّة عنه؛ ولا يجوز استرقاق من لم يكفُرْ، ولما أصرّوا على دعواهم ألقمهم الحجر بسؤاله إياهم: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟! فسحب القوم هذه الدعوى[2].

وفي صفين تفتّق كيدُ عمرو بن العاص ومعاوية عن خدعة رفع المصاحف التي دقت مسمارا كبيرا في التوافق العسكري لدى جيش الإمام ضد جبهة معاوية، وأثار هؤلاء المتدينون بإيعاز الأشعث بن قيس الكندي - الذي في ما يبدو كان ينفذ أجندات معاوية - تمرُّدا صاخبا ضد الإمام عليه السلام فاضطرّوه للقبول بالتحكيم، والتي أفضت نتائجها إلى عودة العراقيين والشاميين إلى المربع الأول مربع الحرب، غير أن الخوارج جعلوا من هذه القضية الصغيرة والتكتيكية وهي القبول بالتحكيم قضية خطيرة بل واعتبروها معصية كفرية كفّروا بها أنفسهم وإمامهم الإمام عليا عليه السلام، وكفروا بها كل الأمة بحجة أنهم حكّموا الرجال في كتاب الله[3]. ولهذا خرجوا يصيحون بشعار (لا حكم إلا لله)، فأُطْلِق عليهم (المحكِّمة)، واجتمعوا في حروراء فسُموا (حرورية).

وكما سيأتي فقد أطلقوا التكفير بشكل فظيع ومخيف ضد المخالفين لهم وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام وضد كل الأمة.

في هذه المقالة نبحث عن خصائصهم باعتبارهم جماعة تكفيرية ظهرت في صدر الإسلام، ولم تكتف بالتظاهر بتكفير المخالفين لها، بل نفّذت في ما بعد أعمالا عنيفة ضد المجتمع وضد المخالفين، وصار ذلك دينها وديدنها، ولما كانت هناك بين التكفيريين الأوائل والتكفيريين المعاصرين مظاهر مشتركة وخصائص متوافقة تأتي نتيجة تبني خيار العنف المفرط والضحالة الفكرية والكره العميق للمجتمعات والتدين العدواني فإنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذه الخصائص لا لنبش التاريخ ولكن للاستفادة منه والاعتبار به وأخذ العظة من دروسه، وها هو مجتمعنا اليمني يقبع تحت سياط التكفيريين.

ها هو مجتمعنا اليوم يمارس فيه العنفُ في أقبح صوره التي لم تعرفها البشرية، وهل يمكن أن تتخيّل رجلا مسلما يذبح امرأة ليس لها ذنب سوى أنها تمارس مهنة الطبابة للمجتمع، هل يمكن أن نتصوّر رجالا متوحشين مثل أولئك الذين اقتحموا مجمع الدفاع، وقتلوا الأطباء والجنود والحاضرين بتلك الصورة التي لا يتذكرها يمني إلا ويصاب بقشعريرة طويلة، كما لم يحدث أن أقدم يمني أو جماعة منهم على قتل امرأة مسافرة بغيا وعدوانا، كما حدث لتلك المسكينة التي طُلّ دمها في منطقة حوث في هذه السنة أمام ناظري ولديها الصغيرين.

 إنه إذا لمن الأهمية بمكان الغوص في ذكر خصائص الجماعة التكفيرية الأولى في هذه الأمة، حيث القتل والعنف والقلوب المتوحشة، والخاوية عن معاني الإنسانية، والقيم الدينية المتسامحة والتي جاءت من صميم تعاليم القرآن الكريم وسيرة النبي الرحيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الخصائص التي تجمع التكفيريين في كل مكان وكل زمان وكل مذهب، للعون وللمساهمة في تشخيص هذه الجماعات التكفيرية بصورة أدق وأكثر توثيقا، ليتم على ضوء ذلك مقارنتها بخصائص التكفيريين في زمننا هذا.

أولا التهور المرتبط بالعوائد المادية: لقد حصر في أولئك التكفيريين الأوائل التهورُ والعاطفة الشديدة المنحازة للعنف دائما وضحالة العقول والتظاهر بالعبادة والتعالم والغباء مع الانغماس في الجهل الشديد، ولهذا طلبوا منه عليه السلام كما مر أن يقسم الأموال والسبي في معركة الجمل.

إن حب الدنيا المشبوب بجفاء الصحراء وبيئتها الخشنة والطماعة قد تمكّن من قلوبهم المتحجرة والخالية على عروشها من القيم الدينية والفضائل الإنسانية؛ لهذا لم يفكروا بعقولهم، ولكن فقط بحثوا عن شهواتهم، وما الذي سيكسبونه من هذا النصر، وحينئذ لا يجدي لديهم نفعا أن يشرح لهم الإمام هذه القضية سوى بإيقاعهم في هزة عاطفية ربما تردعهم، لقد سألهم من هو مستعد لأخذ عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان بإمكانهم أن يعرفوا هذا الأمر لكنها الضحالة والحمق والتهور في الرأي الذي يتربّى في أوحال الجهل ومستنقعات الغباء والأطماع.

ثانيا يسهل اختراقهم وتوجيههم: لضحالة عقولهم وسخف أحلامهم واعتمادهم منهج الشائعات ضد خصومهم يسهل اختراقهم، والعبث بمصائرهم وقراراتهم، يقول بعض المؤرخين: إن الأشعث بن قيس الكندي رمز النفاق في عصر الإمام علي كان من أوائل من دعا إلى وقف الحرب في صفين بعد أن مالت الكفة لصالح جيش الإمام، ولتحكيم كتاب الله، كما كان أحد من ضغطوا على الإمام بالقبول بما أراده أهل الشام، ويضعه الشهرستاني[4] بين زعماء الخوارج الأوائل الذين حملوا الإمام على إيقاف الحرب، وهناك له دور بارز جدا في التدبير لابن ملجم عند اغتيال الإمام عليه السلام[5]، وهذا يشير إلى أنه كان يمثِّل حلقة وصل بين أولئك التكفيريين وبين الطغاة الظالمين الذين يستغلونهم لتنفيذ مخططاتهم ببضع كلمات يعطونها في الجهاد، يرجّح هنا أن معاوية أوعز إلى عميله (الأشعث) أن يحرّك في هؤلاء المتدينين السطحيين مشاعر الاحترام لكتاب الله القرآن، إنهم يستثارون بالعاطفة الدينية ويحتشد فيهم التدين العنيف حينئذ، لقد استثيروا برفع القرآن، ولكنهم لم يعقلوا أن من رفع القرآن لا يقيم له وزنا.

لا توجد موازين ذاتية عميقة الأثر لدى الجماعات التكفيرية التي تعادي المخالف لها، وتعتبر كل من سواها مخالفا كافرا، ومع كونها لا تثق في أحدٍ يمحضها النصح، إلا أن مصدر ثقتهم فقط هم المنافقون الذين يُظْهرون ما لا يبطنون، وهؤلاء فقط هم من يمكن أن يرسم سياسات هؤلاء التكفيريين، ويرتّب لهم الأولويات والمهمات.

ثالثا يعشقون الشائعات: إن أي حركة أو جماعة إذا لم تعتمد على منهج اليقين، ولا تأخذ معلوماتها وحيثياتها عن مصادرها الصحيحة، وإنما تأخذها عن كل من هب ودب، وعن الثقات وغيرهم، وتميل جدا إلى تصديق الأكاذيب المريحة، وإلى من يبيع لها الأوهام المغرية، فإنها سوف لن تتخذ قرارات سليمة، وسينهار لديها سلَّم الأولويات، ويحضر فيه ما يجب تغييبه، ويغيب ما يجب حضوره، إنهم لا يعتمدون منهج القرآن في التثبت واليقين، ألم يقل لهم أمير المؤمنين عليه السلام حين حاورهم لاحقا: "فإني نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ، وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ، وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ، وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ، وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ وَلَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً، وَلَا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً".

ومن العلامات التي ذكرتها الروايات للخوارج: أنهم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، وحسب نص آخر: أحداث، أحدّاء، أشِداء، ذليقة ألسنتهم بالقرآن، يقرؤونه لا يجاوز تراقيهم[6].

إن وعي التكفيريين هشٌّ جدا في ما يتعلّق بخصوهم ومخالفيهم في الرأي، إنهم أخفّاء الهام وسفهاء الأحلام، قليلو العقول، لا يتمتعون بمقدرة عقلية تؤهلهم لقيادة الأمة، أو للمشاركة فيها بإيجابية، أو حتى للبقاء بسلام مع مخالفيهم، قراراتهم إن لم تكن مخترقة، فهي مرتجلة، وسريعة، وتستند إلى الشائعات، وإذا قدروا أفرطوا في العنف وأساؤوا استخدام القوة بشكل مرعب، وأفرغوا ما هو في دخائلهم من التعذيب والقتل والتنكيل.

الإيمان لا يجاوز تراقيهم إلى قلوبهم، وبالتالي فهي خِلْوٌ من أي معنى جميل سوى من ظلال التكفير السخيمة، وآثاره المرذولة، وماذا تنتظر من قلب مشحون بالحقد انتزعت منه الإنسانية يحكمه هوى جموح، وعشق مفرط للدماء، ويشجعه بيئة صاخبة بالفظاعة، ينتظر الفرصة لأن يشبع نهمته الصحراوية المنشأ والصحراوية الفكر والصحراوية العاطفة، تصبح حينئذ القساوة والجلافة والعسر والشطط دينا يدين الله به، هذه الطباع الوحشية المبنية على عداء الآخر ومحبة الإضرار له تصبح لاحقا الدين الحق، ومن يخالفها فهو مدخول العقيدة، فاسد الأخلاق.

ولهيامهم بالشائعات عن المخالفين لهم بسرعة فائقة تأثّروا بكلام الأشعث بن قيس الكندي وبرفع المصاحف من قبل أهل الشام وبسرعة اتخذوا قرار إيقاف الحرب وبالعنف أيضا، ثمبسرعة تأثروا بمن أوعز إليهم منهم أنهم قد كفروا، حيث حكّموا الرجال في كتاب الله، وهكذا،،،.

رابعا لا يحترمون العهود: لتمكن الكره من قلوبهم والبغض الناتج عن اعتقادهم الكفر في الآخر فإنهم لا يرعوون عن استخدام أي وسيلة في إيصال الضرر إليه، المقدّسُ لديهم أن يُفْرِغوا ما يملأ جوانحهم من الشدة والغلظة والنكال بأي طريقة في هذا الآخر الذي يعتبرونه مدنّسا، ولهذا لا تجد تكفيريا لديه مروءة، أو رعاية لعهد وحرمة، بل لا تجد فيهم إلا الخداع واللؤم الشديد، والفظاعة المنقطعة النظير، إنهم كالوحوش إذا أمكنت من فريستها، لقد جاؤوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام بعد توقيع وثيقة التحكيم بينه وبين معاوية، يطلبون منه أن ينقض العهد، ويقودهم لقتال معاوية، يقول ابن ديزيل في كتاب صفين: إنهم طلبوا منه (عليه السلام) نقض العهد، ورفض التحكيم، والخروج مجدّدا إلى صفين، قال لهم علي (عليه السلام): «هذا حيث بعثنا الحكمين! وأخذنا منهم العهد، وأعطيناهموه؟!! هلاّ قلتم هذا قبل؟!" قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا، واشتد البأس، وكثر الجراح. فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم؛ فلما وجدتم الجمام (الراحة) قلتم: ننقض العهد؟! إن رسول الله كان يفي للمشركين: أفتأمرونني بنقضه»[7]، وهكذا فإن صفة الغدر والانتهازية خلُقٌ أصيل في أخلاقهم، وقيمة مهمّة يحتفظون بها إلى حدٍّ كبير.

خامسا يتلقفون التهم ضد خصومهم بدون وعي: يتلقّف التكفيريون التهم ضد خصومهم بدون تأمل فحواها ولا فهم لمعناها، كالببغاوات يردِّدون ما يرجون أنه تعييبٌ وانتقاص من خصومهم، كما نشاهد في عصرنا؛ فكم من الأكاذيب التي لا يصدِّقها عقل تسود صحائفهم، ويتناقلونها تناقل المسلمات الثابتة، ويعتبرونها ثابتة ثبوت الرواسي، لقد نفخ فيهم أحد الأبالسة أنهم كفروا حين حكّموا الرجال في كتاب الله، وكان بإمكانهم أن لا يصدِّقوا مثل هذه الأزعومة، ولكن نفسياتهم تعيش على فتات الأكاذيب وعلى سرعة تصديقها في مخالفيهم، وهو تلقُّفٌ له اتصال وثيق بالجهل ونقيصة العقل وعزوب الفهم، وفوضى المفاهيم، لقد ذهب الإمام يحاورهم في هذا الشأن، قال لهم: " إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ، هَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، لَا يَنْطِقُ بِلِسَانٍ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ، وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، فَرَدُّهُ إِلَى اللَّهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِهَا، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلًا فِي التَّحْكِيمِ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ"[8].

سادسا يكفّرون بما ليس بمكفِّر: إنه الظن السيء المتمثل في قاصمة الظهر وأم الخطايا، وهو التكفير، فقد كفّروا الإمام؛ لأنه قبل بالتحكيم، والذي فرضوه هم وتحت ضغوطهم، التي هدّدَتْ بأن تتحول المعركة في تلك اللحظة بين مكونات جيشه، وإذا كانوا هم من ضَغَط باتجاه التحكيم فإنهم قد ألقوا بالمسؤولية على الإمام وكفّروه بها، وجعلوا منها قضية العصر الكبرى. ذكر المؤرخون أن من شعر أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي لا اختلاف فيه أنه قاله، وكان يردّده، وذلك أنهم ساموه أن يقِرَّ بالكفر ويتوب، حتى يسيروا معه إلى الشام، فقال: «أبعد صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والتفقه في الدين، أرجع كافراً؟! ثم قال:

إني على دين النبي أحمد ... يا شاهد الله علي فاشهد ... من شك في الله فإني مهتد»[9].

 لقد مرنوا على تكفيره سلام الله عليه ولهذا ردّ عليهم في خطبة قائلا: "أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَلَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌن أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِين، فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ، وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ، أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً"[10].

سابعا يعممون التكفير: يعيش التكفيريون -لكي يشبعوا نزواتهم الغامرة- حالة من الشوق والعشق للدماء المختلفة؛ ولهذا فهم لا يبالون بقتل أطفال أو نساء أو شيوخ، إنهم قرابين هذه الشهوة المنغمسة في وحل شقائهم، إنهم يعيشون فوضى في المصطلحات، وفوضى في القتل، وفوضى في الآدمية والإنسانية.

أترون التكفيريين اليوم كيف يضعون العبوات الناسفة في الشوارع العامة، أمام الأطفال والنساء والأبرياء، وكأن المراد هو القتل لأجل القتل، كأن المراد هو سقي تلك الصحراء الملتهبة في قلوبهم والمتعطشة للدماء من أي إنسان يتعسه الحظ ويلقيه في ذلك المكان، ومثلما تعاني الأمة اليوم من التكفير العام، المؤدي إلى التفجير والقتل العامين، عانت الأمة في عهد الإمام، ألا يكفِّر هؤلاء شخصا ما، ثم يتبعونه بتكفير من شك في كفره؟ كذلك أولئك فقد كفّروا الإمام عليه السلام كما كفّروا الأمة جميعا بتكفيره.

يقول عليه السلام: "فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَضَلَلْتُ فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) بِضَلَالِي، وَتَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي، وَتُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي، سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ وَالسُّقْمِ، وَتَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ"[11]، ألا يفعل التكفيريون اليوم ما فعله أسلافهم آنذاك؟ ألا يضعون عبواتهم الناسفة في الأسواق العامة؟ ألا يفجرون المساجد والأماكن المكتظة بالأبرياء، هذا ليس جديدا، إنه صفة ملازمة للتكفيريين أينما وجدوا وفي أي مذهب كانوا.

ثامنا عقولهم معطلة وعواطفهم العنيفة مستثارة: العقل معطل في جسم التكفيري، حيث يطفح قلبه عداوة وحقدا على جسمه وقلبه، ومن ثم إذا رأى فضيلة لخصمه حاول إفسادها بأكاذيب، إنهم لا ينسون ما هم فيه من التكفير والتضليل، لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام مرة جالسا مع أصحابه فمرت بهم امرأة جميلة، فرمقت إليها أبصار بعضهم، فأرشدهم الإمام قائلا: (إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ، وَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلَامِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ). فَقَالَ رَجُلٌ تكفيري: قَاتَلَهُ اللَّهُ كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ (عليه السلام): (رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ).

أرأيتم كيف يحاولون إطفاء نور هذه الحكمة كما يفعلون اليوم بتشويه صورة الفاضل من مخالفيهم، يفترون الأكاذيب ضده حين يُلْجَئون إلى مواجهة فضيلة قائمة، إنهم يقبلون بالمتناقضات حيث العقول معطلة، فأنى وكيف يجتمع كافر وفقيه؟ وفي هذه القصة تتجلى عبقرية الإمام وحلمه وعفوه مع مواطنيه حتى ولو مارسوا التكفير علنا بحقه، حيث لم يستغل الأمر لإنهاك هذا التكفيري بعقوبة تأديبية؛ لأنه كان يعيش لله ومن أجله تعالى، ماذا سيحدث لو كان الأمر بالعكس؟!!

تاسعا يظهرون فقط في المعارك الخطأ: لا تظهر بطولات التكفيريين إلا في المعارك الخاطئة وفي الزمان الخطأ وفي المكان الخطأ، في المعارك التي لا تخدم إلا الظالمين، حين يكون هناك موقف للأمة جميعا يقتضي أن يقف الجميع لا ترى لأيٍّ منهم أثرا مشهورا، ماذا قدّم التكفيريون لقضية فلسطين اليوم؟ ماذا قدّموا لقضية الإسلام سوى التشويه وزرع الإحباط في قلوب الشباب، وتشجيعهم على الإلحاد بتشويههم له؟!، أين كانوا حينما أسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغرب؟!.

كذلك كانوا في حرب الإمام وخصومه القاسطين معاوية وأصحابه، لم يكن لهم أثر كبير في تلك الحروب، ولا موقف مشهور، ولكن لما جاء الخوارج ظهرت بطولاتهم ضد المسلمين، وصاروا أشدّاء وجبارين ضد المسلمين، أحدهم (البرج بن مسهر الطائي) صرخ في وجه الإمام بشعارهم: لا حكم إلا لله، فقال له الإمام: (اسْكُتْ قَبَحَكَ اللَّهُ يَا أَثْرَمُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلًا شَخْصُكَ، خَفِيّاً صَوْتُكَ، حَتَّى إِذَا نَعَرَ الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِزِ)[12]، واليوم حين يكون للإسلام قضية لا تجد لهم فيها غناء ولا أثرا محمودا، وحين تكون الفتنة بين المسلمين فستجدهم في أعلامها ومقدمتها.

عاشرا يجبنون عن المواجهة: يظن البعض أن التكفيريين شجعان في الحرب، ومقاتلون أشدّاء، ولكن هل هو شجاع من يقتل غيلة وغدرا؟ هل هو شجاع من يقتل النساء والأطفال؟ هل هو شجاع من يستعين بالعبوات الناسفة لقتل الآخرين وقتل نفسه معهم؟ هذه هي حرب الجبناء والضعفاء، لا تجد عند أحد منهم ذَرَّة شرف في خصومة، يراهنون فقط على الغدر والخيانة والسم والاغتيالات، جنودهم قد تكون من عسل، ومن حليب، ومن عبوات ناسفة، ومن أيادٍ آثمة، ومن (موتورات) تغتال المصلين بعد خروجهم من الصلاة.

حين حاربهم الإمام علي عليه السلام في النهروان لم يُقْتَل من جنوده إلا أقل من عشرة رجال، بينما قتل أهل النهروان جميعا ولم يبق سوى عشرة منهم، بعد أن أبلى الإمام العذر معهم في دفع قتلة عبدالله بن خباب بن الأرت وزوجه وآخرين، لم يقاتلهم إلا بعد أن بدأوا هم بقتال جيشه وقتل أحد رجاله، لقد وصفهم الإمام بأنهم جبناء[13]، إن ما قيل عن شجاعتهم كان آتيا ضمن استخدامهم أساليب انتهازية في المواجهة مثل البيات للعدو، وسرعة الهجوم عليه، والمباغتة، وسرعة الانسحاب والهروب، ولما تصدّى لهم المهلب بن أبي صفرة واحترس منهم وكايدهم أنزل بهم هزائم معنوية ومادية شديدة، وأدخل الفُرقة في صفوفهم وأذاقهم ألوانا من الهزائم[14].

حادي عشر ينضحون شتيمة وسبابا لمخالفيهم: لأنهم على دين الكره والبغض، ولا يطيقون مخالفيهم، نجد أنه تمتلئ كتبهم وصحفهم وقنواتهم سبابا وشتيمة وتكفيرا لمخالفيهم، لقد كان أسلافهم الأوائل يواجهون الإمام بالتكفير والشتم والتعريضات القاسية[15]، وهو يحلم عليهم، حتى قال علي بن البطريق: «إن علياً كان قد مرن على سماع قول الخوارج: أنت كافر. وقد كفرت»[16].

رووا: أن رجلاً جاء إلى علي (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا يسبك.

قال: فسبّه كما سبني.

قال: ويتوعدك.

قال: لا أقتل من لم يقتلني.

ثم قال: لهم علينا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء مادامت أيديهم في أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا[17].

لقد أوضح سلام الله عليه موقفه منهم حين قال: «إن سكتوا تركناهم ـ أو قال: عذرناهم ـ وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم»[18]. إن تعامله معهم على هذا النحو هو المنهج الخالد والعظيم الذي يجب اتباعه في مواجهتهم اليوم، ولكن قبل ذلك يجب مواجهتهم فكريا وتجفيف أوحالهم التي يتكاثرون فيها.

ثاني عشر يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأديان: يسأل الناظر: هل أثمر تعامل الإمام الراقي معهم أن يصيروا في طريق السلم، هل ثناهم عن الانتقال من مربع التكفير إلى مربع العنف الذي دائما يكون لاحقا للتكفير، لا أبدا، فهم يتسامحون مع المشركين المحاربين بينما يتشددون ضد المسلمين المسالمين، لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ).

اليوم لا نجدهم في فلسطين ضد المحتلين الغاصبين، ولكننا نجدهم ضد المسلمين في كل مكان تواجدوا فيه، نجدهم في العراق طبعا لا يقاتلون الأمريكيين، ولكنهم يفجِّرون المساجد والحسينيات والأسواق العامة، يقتلون النساء والأطفال.

من طريف قصصهم أنه أرسل إليهم الإمام علي رسولا مسلما اسمه الحارث بن مرة العبدي فقتلوه. فعاد أمير المؤمنيين (عليه السلام) وأرسل إليهم رسولاً من يهود السواد حتى يبلغهم رسالته لأنه يعلم منهم أنهم لن يقتلوه، طلب منهم رسوله أن يبعثوا إليه بقتلة إخوانه، ثم يتركهم إلى أن يفرغ من معاوية. لكنهم بعثوا إليه: كلنا قتلة أصحابك، وكلنا مستحل لدمائهم، مشتركون في قتلهم[19].

مر بهم إمام المعتزلة واصل بن عطاء في رفقة، فقال لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم، فاعتزلوا ودعوني وإياهم - وكانوا قد أشرفوا على العطب - فقالوا: شأنك. فخرج إليهم، فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويفهموا حدوده. فقالوا: قد أجرناكم، قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين، فإنكم إخواننا! قال: ليس ذلك لكم، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} (التوبة6)، فأبلغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قالوا: ذاك لكم، فساروا بجمعهم حتى بلغوهم مأمنهم.

لو أن (واصل) أظهر حقيقة مذهبه لهم ومن معه من المسلمين لوقعوا تحت مخالبهم، ولتقرّبوا إلى الله بدمائهم.

ثالث عشر مهووسون بالذبح وبقتل النساء والأطفال: يقتلون النساء والأطفال، ويتلذذون بذكر الذبح، والتهديد به للمخالفين لهم وبمناظره كما صار متواترا عنهم اليوم ورأيناه في الإعلام المرئي بصورة مقززة، ألم يقتل أحد هؤلاء التكفيريين المرأة في حوث أمام طفليها، وبعد قتلهم لزوجها، ألا يذبحون الأطفال ذبحا؛ لأنهم من الفرقة الفلانية أو من الطائفة الفلانية، ألا يشوِّهون الإسلام بشكل فظيع.

لقد استوقفتني عبارة رأيتها في البي بي سي في الشهر الماضي ضمن تقرير إخباري كانت مكتوبة على جدار في إحدى المدن السورية تقول: جئناكم بالذبح يا نصيرية، وسمعنا جميعا ذلك التكفيري في منزل الشيخ الأحمر الصغير وهو يقول: إنهم يختلفون من أين يذبحون الرافضة من الأمام أو الخلف، ورأيناهم يمارسونها ممارسة وقحة ويتباهون بذلك أمام العالمين، وآخرها الطبيبة سمية في مجمع الدفاع في صنعاء التي ذبحوها ذبحا كما عرف الجميع.

في صدر الإسلام يذكر المؤرخون، والنص هنا لابن قتيبة: أن الخوارج «.. بينما هم يسيرون، فإذا هم برجل يسوق امرأته على حمار له؛ فعبروا إليه الفرات، فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا رجل مؤمن. قالوا: فما تقول في علي بن أبي طالب؟

قال: أقول: إنه أمير المؤمنين، وأول المسلمين إيماناً بالله ورسوله.

قالوا: فما اسمك؟

قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقالوا له: أفزعناك؟

قال: نعم.

قالوا: لا روع عليك، حدِّثنا عن أبيك بحديث سمعه من رسول الله، لعل الله ينفعنا به.

قال: نعم، حدثني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (ستكون فتنة بعدي، يموت فيها قلب الرجل، كما يموت بدنه، يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً).

فقالوا: لهذا الحديث سألناك، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً. فأخذوه وكتفوه. ثم أقبلوا به، وبامرأته، وهي حبلى متم، حتى نزلوا تحت نخل؛ فسقطت رطبة منها؛ فأخذها بعضهم؛ فقذفها في فيه.

فقال له أحدهم: بغير حل، أو بغير ثمن أكلتها؟.

فألقاها من فيه.

ثم اخترط بعضهم سيفه، فضرب به خنزيراً لأهل الذمة؛ فقتله.

قال له بعض أصحابه: إن هذا من الفساد في الأرض.

فلقي الرجل صاحب الخنزير، فأرضاه من خنزيره.

فلما رأى منهم عبد الله بن خباب ذلك، قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى؛ ما علي منكم بأس. ووالله، ما أحدثت حدثاً في الإسلام، وإني لمؤمن، وقد أمّنتموني؛ وقلتم: لا روع عليك.

فجاؤوا به، وبامرأته؛ فأضجعوه على شفير النهر، على ذلك الخنزير، فذبحوه، فسال دمه في الماء.

ثم أقبلوا على امرأته، فقالت: إنما أنا امرأة، أما تتقون الله؟

فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة؛ فيهن أم سنان، قد صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم[20].

بعد هذه الوحشية لننظر سماحة الإسلام ومن يمثله تمثيلا صحيحا، لننظر كيف تعامل الإمام مع تكفيري لم يشهر السيف ولم يتورّط في الدم ففي طريق عودته بعد القضاء على التكفيريين في النهروان لقيه أبو العيزار الطائي، فقال لعدي بن حاتم الطائي وكان من أنصار الإمام: يا أبا طريف، أغانم سالم؟ أم ظالم آثم؟

قال: بل غانم سالم.

قال: الحكم إذن إليك!

فقال الأسود بن يزيد، والأسود بن قيس المراديان ـ وكانا مع عدي-: ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر، وإنا لنعرفك برأي القوم.

فأخذاه، فأتيا به علياً، فقالا: إن هذا يرى رأي الخوارج، وقد قال كذا وكذا لعدي.

قال: فما أصنع به؟!

قالا: تقتله.

قال: أقتل من لا يخرج علي؟!

قالا: فتحبسه.

قال: وليست له جناية أحبسه عليها؟! ثم قال لهما قولته المدوية بالسلام والإنسانية والقيم الأصيلة، لقد قال لهما: خليا سبيل الرجل[21].

هكذا يجب أن يتعامل أتباع الإمام مع التكفيريين، وأن لا يبدؤوهم بقتال حتى يبدؤوهم هم.

لقد عُرِف عنهم عدم مبالاتهم بما يرتكبونه من جرائم، إنه ليس لديهم ما يحدّ من اندفاعهم في هذا الاتجاه، بل تجدهم قد حاولوا تشريع ذلك، وتأصيل أصول عقدية من شأنها أن تحتِّم عليهم التعاطي بهذا المستوى من العنف، وتسهّل عليهم سفك الدماء، دون أن يكون لديهم أية روادع إيمانية أو إنسانية، أو وجدانية وضميرية، بل هم يرون أن تنكيلهم بخصومهم حتى بالنساء والأطفال عبادة يثابون عليها، وتدخلهم الجنة بزعمهم[22]. لقد ظهرت فِرَقٌ منهم تجيز قتل الأطفال بحجة أن آباءهم كفار، وهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا كالأزارقة، بحسب فهمهم السقيم الميال للعنف والقتل.

رابع عشر يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن كل ما يقوم به أفرادهم: ومع أن الإمام كان لا يعتبر المسؤولية في جرائمهم إلا مسؤولية شخصية غير أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مشاركين لكل مرتكب منهم لها، ألم يُثْنِ عمران بن حطان وهو من طائفة القعدية أو الصفرية على اغتيال عبدالرحمن بن ملجم للإمام، هم هكذا يمارسون توزُّع الأدوار، فهذا يقتل، وهذا يبارك، وذاك يندِّد.

حينما قرر الإمام الاقتصاص للمقتولين من مواطنيه ابن خباب بن الأرت، وزوجه، ورسوله العبدي والنسوة الثلاث سألهم أن يدفعوا إليه القتلة، ولكنهم رفضوا، وقالوا بصوت واحد: كلنا قتلهم، فطلب منهم أن يعترف كل عشرة منهم بذلك، ففعلوا، ولم يكفهم ذلك حتى بدأوا بقتل رسوله الذي أرسله لهم لينصحهم، وحينئذ سمح لجيشه أن يهاجمهم.

لقد لخص الإمام هذه القضية وما جرى بينه وبينهم في كلام وجَّهه إلى أصحابه فكان مما قال: «حتى إذا عاثوا في الأرض مفسدين وقتلوا المؤمنين أتيناهم فقلنا لهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا. فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم. وشدّت علينا خيلُهم ورجالهم؛ فصرعهم الله مصارع القوم الظالمين»[23].

خامس عشر الحوار أعدى أعدائهم: ليس هناك شيء أشد وقعا على رؤوس التكفيريين ولا سلاح أفتك بهم مثل الحوار والحجة والدليل، لماذا؟

لأن تحريضهم وتهويلهم مبني على الأكاذيب والأراجيف، وعلى التلاعب بالألفاظ والمصطلحات، وهو أمر يغرّر بكثير من الناس، ولهذا بمجرد أن يسمعوا صوتا آخر، وينفتحوا على قناة أخرى يجدون كثيرا من تلك المسلمات القطعية كذبا وفجورا، فيعمدون إلى التحذير من الأصوات الأخرى والتشويه لها.

والتكفيريون الأوائل لما خرجوا عن الكوفة وعسكروا في حروراء، واستثاروا كثيرا من الناس بشعاراتهم البرّاقة، بل لقد تأثر بكلامهم حتى الأحنف بن قيس التميمي، بحكم القرابة التي بينه وبين زعمائهم، أرسل إليهم الإمام ابن عباس لمحاورتهم، فاستطاع التأثير على طائفة منهم وعادوا، ولما خرج الإمام بنفسه إليهم وحاورهم عاد كثير من رجالهم، وأجزم أنه لو توفرت الفرصة لكثير من المغرَّر بهم لديهم لتركوهم، لهذا يجب الحرص على إجراء حوارات معهم ففي ذلك الخير والمصلحة للإسلام والمجتمع.

سادس عشر يحقدون على الأحياء والأموات أيضا: حقد هؤلاء القوم لا حدود له، فهو لا ينتهي عند التكفير حتى يتعداه إلى التفجير، ثم يتعدى التكفير والقتل إلى النبش، لقد كان أحد أسباب إخفاء أهل بيت رسول الله قبر الإمام في النجف هو الخوف من نبشه من قبل هذه الجماعة التكفيرية، ولهذا ظلّ غير معروف للعامة من الناس مدة طويلة[24].

ألا يزيل هذا الأمر عنا الغرابة التي وقعنا فيها حينما رأينا جماعات تكفيرية اليوم تنبش قبور الصحابة، مثل قبر حجر بن عدي، وقبر عمار بن ياسر، وتغتصب رفاتيهما الطاهرين إلى يومنا هذا، إنهم بهذه الميزة التي تميزوا بها إنما يعبرون عن ما يكتظ في صدورهم من تأثّل البغي، وتجذُّر الحقد.

سابع عشر تصلب وانقسامات متكررة: هذه الشدة والقساوة الظاهرة والغامرة أورثتهم انقسامات شديدة داخل صفوفهم، من الطبيعي على تكفيريين متزمتين أن يكثر فيهم الخلاف، وينزرع في أوساطهم  الشقاق وضعف الثقة، وها نحن نجد اليوم كم من المسافات تفصل بينهم، فهذا يهاجم ذاك، وذاك يضلل هذا، أو يسخِّفه، إنهم أصدقاء الفوضى وأعداء التنظيم، ويميلون إلى السطحية والعفوية، والثورية المفرطة غير المنتظمة.

لما ولي المهلب ملف حربهم أيام الدولة المروانية استطاع تمزيق شملهم بإطالة أمد الحرب معهم، بالاحتراس عن غدرهم وبياتهم، وبالإيقاع بينهم بأمور تفاهة كان يشعلها فيهم, لقد زرع المهلب الشكوك فيهم وكان يرمي في سهامه برسائل توهم أن معه رجالا فيهم ويخبرونه بأمرهم فشكوا في بعضهم، وقتل بعضهم بعضا، فتفرقوا، واختلفوا.

إن عامل الوقت هو أعدى أعدائهم، لو خُلِّيَت الأرض لتكفيريين فقط من نفس المدرسة لأفنى بعضهم بعضا قتلا، طبيعة التشدد تجعل من أهله مستثارين بأبسط الأمور متضايقين مما لا يتضايق به.

ثامن عشر يجفون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نتذكر هنا ذا الخويصرة الذي جاء إلى رسول الله يأمره بتقوى الله وبالعدل في القسمة، في نفس الوقت الذي نشاهد اليوم أولئك الفتية الذين يدفعون زوّار رسول الله ويضربونهم إذا توجهوا إلى الحجرة الشريفة، ويحكمون عليهم بالشرك لو لمسوا شُبَّاكها، الأمر لا علاقة له بالحرص على سلامة عقيدة الناس بقدر ما له علاقة بحالة الغرور والجفوة والعجب التي تنتابهم حين يظنون أنهم بلغوا قدرا كبيرا من الصلاح الذي يؤهلهم لأن يكونوا في مقام النبوة.

لو تأملت في عين تكفيري لوجدتها تختزن قدرا كبيرا من الاحتقار والازدراء لكل هذه الأمم من دونهم، إنهم مركّب عجيب من التدين المثلوم، والجهل الفاضح، والادعاء الباهت، والحقد بلا حدود، وضحالة الرأي والعقل.

تاسع عشر أزُرُهم إلى أنصاف سوقهم: قالت السيدة عائشة: ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق، سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: تفترق أمتي على فريقين، تمرق بينهما فرقة محلِّقون رؤوسهم، محِفّون شواربهم، أزُرُهم إلى أنصاف سوقهم، يقرؤون القرآن، لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبهم إلي، وأحبهم إلى الله تعالى[25]. وهذا واضح في كثير من الجماعات التكفيرية اليوم.

عشرين جنسيات مختلفة وأخلاط متباينة تحت راية قتال واحدة: جمع العنف والحقد بين عناصر مختلفة جغرافيًّا على منهج واحد، لهذا وصف الجاحظ الخوارج بهذا الوصف الذي يبين منازعهم المكانية المختلفة ولكنهم تحت جيش واحد فقال: "لأننا حين وجدنا السجستاني، والخراساني، والجزري، واليمامي، والمغربي، والعماني، والأزرقي، منهم والنجدي، والإباضي، والصفري، والمولى والعربي، والعجمي والأعرابي، والعبيد، والنساء، والحائك والفلاح.. كلهم يقاتل مع اختلاف الأنساب، وتباين البلدان، علمنا أن الديانة سوّت بينهم، ووفّقت بينهم"، ويقصد بالديانة هو ما هم عليه من الاعتقاد بصحة ما لديهم، واليوم قد نشاهد مشاهد من هذا القبيل، وإذا كان ذلك غير فضيلة للتكفيريين في ذلك العصر فإنه بالضرورة يجب أن لا يكون فضيلة لتكفيريي اليوم.

كما أنهم يشكلون أخلاطا من الناس لا يجمعهم إلا اعتقاد ضلال الآخرين وكفرهم وبدعيتهم، لقد جمع الشيخ العاملي في كتابه خلفياتهم القبلية والمهنية فوجدهم وفقاً لما جاء في النصوص:

1ـ عرب. 2ـ عجم. 3ـ موالي. 4ـ عبيد ومَهَنَة. 5ـ حشوة من الناس، ما بين قصاب. 6ـ وصباغ.  7ـ وداعر.  8ـ وحداد. 9ـ خُشَار. 10ـ معلم كتّاب.  11ـ بائع رمان.  12ـ علوج.  13ـ لصوص.  14ـ أكراد، سجستاني، خراساني، جزري، يماني، مغربي، عماني، والخ..  15ـ شباب أحداث.  16ـ أعراب جفاة.  17ـ مطلوبون بمال.  18ـ مطلوبون بثارات. 19ـ حائك. 20ـ فلاح.

واحد وعشرين لأهل السوابق فيهم مكان مرموق: يستطيع أصحاب السوابق أن يصلوا لمكان القرار فيهم؛ إذ في الغالب يكون هؤلاء من أولئك الذين لا يستحيون، من الذين يقلبون الطاولة رأسا على عقب، وبالتالي فقد يقدر أحدهم على الوصول بطريقة ما إلى أن يكون من قياداتهم، وقد تنازعه نفسه العودة إلى سابق عهده، فتكون عند ذلك الفضيحة، كما هو الحال عند عبيدة بن هلال اليشكري أحد قادتهم في حروب المهلب بن أبي صفرة والذي اتُّهم أنه كان يأتي امرأة حدّاد ليلا، فدبّر هو وقطري بن الفجاءة الحيلة للخلاص من الورطة، فكان لهما ما أرادا[26]، ومع ذلك فقد كان اليشكري هذا من أخطب الخوارج التكفيريين.

ثاني وعشرين يقاتلون طواحين هواء التاريخ: إنهم يمارسون القتل اليوم ضد أبناء هذا الشعب أو ضد مكون من مكوناته بحجة أنهم روافض، أو أنهم يسبون الصحابة، أو أن عالمهم الفلاني أفتى بقتلهم، أو كفّرهم.

في صدر الإسلام ظل شعار التحكيم صوتا مترددا له صدى واسع في سماء معاركهم، وردده شعراؤهم، ويكفي أنه استحوذ على عقولهم ومشاعرهم طوال العصر الأموي[27]، فكانوا يشحذون به حماس عساكرهم، ويلهبون عواطف أصحابهم في كل موقعة، وعند كل لقاء، واليوم تُحَدِّث أحدَهم عن واقع المسلمين الذي يعيشونه فيقفز لك بتهمة أكل عليها قرن من الزمان وشرب ليبشرك بعدها بالقتل وسوء النكال.

إنهم يقتاتون على هذه الشعارات التي شبعت موتا في بطن التاريخ.

ثالث وعشرين يكفّرون ويضللون بالتبرك بآثار الأنبياء عليهم السلام: تشير بعض النصوص إلى أن الخوارج في صدر الإسلام ينكرون التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، تماماً كما هو مذهب التكفيريين اليوم. وبعد أن ذكر الذهبي تبرك أحمد بن حنبل الذي ينتسب إليه تكفيريو اليوم، بشعرة من شعر النبي (صلى الله عليه وآله)، يقبلها، ويستشفي بها، وبقصعة النبي (صلى الله عليه وآله)، وكان يشرب من ماء زمزم يستشفي به، بعد أن ذكر الذهبي ذلك، قال: أين المتنطّع المنكِر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي (صلى الله عليه وآله)، ويمس الحجرة النبوية. فقال: لا أرى بذلك بأساً، أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج والبدع[28].

رابع وعشرين يفسرون آيات القرآن النازلة في الكفار ضد المسلمين: فعن ابن عباس: لا تكونوا كـ(الخوارج) تأوّلوا آيات القرآن في أهل القبلة، وإنما نزلت في أهل الكتاب والمشركين، فجهلوا علمها، فسفكوا الدماء، وانتهبوا الأموال. وعن ابن عمر في وصفهم قال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، كما رواه البخاري في صحيحه.

وكذلك فعل التكفيريون اليوم في الآيات النازلة في الكافرين والمشركين، فإنهم يطبّقونها على المسلمين كقوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً). وقوله: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً)، وغير ذلك من الآيات.

خامس وعشرين آخرهم لصوص سلابون: لقد أوضح أمير المؤمنين عليه السلام نهاية التكفيريين الأوائل لما قيل له: يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم فقال: "كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَقَرَارَاتِ النِّسَاءِ، كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلَّابِينَ". وبالمناسبة فقد تساءل صاحب كتاب (علي والخوارج) قائلا: فهل سيصبح مصير الوهابيين هو نفس مصير «الخوارج».. فيكون آخرهم لصوصاً سلابين؟!

قال: من يدري فإن غداً لناظره قريب.

أقول: نعم لقد تحقّق ما قاله، ومن أراد التأكد فلينظر إليهم في حوث محافظة عمران، وفي حرض محافظة حجة، وفي أرحب محافظة صنعاء، وغيرها من المناطق، ليجد تكفيريين يمارسون مهنة اللصوص والسلابين.

وبهذا يتبين وجود وحدة موضوعية وخصائص مشتركة بين التكفيريين قديما وحديثا لا يمكنهم أن يتجاوزوها، وهنا يجب على المجتمع وعلى نخبه المتعلمة والمثقفة أن تمارس دورا رياديا في تجفيف منابع هذا الفكر الطائش والتكفيري الذي ما دخل بلدا إلا أفسده.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمدلله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] رواه البخاري وآخرون.

[2] الفتوح لابن أعثم الكوفي.

[3] الخطبة رقم 137 نهج البلاغة.

[4] في الملل والنحل ج1 ص113، ط 1404هـ، دار المعرفة – بيروت.

[5] سمع حجر بن عدي الكندي في المسجد الأشعث وهو يقول لابن ملجم قبيل تنفيذ المهمة بلحظات :(النجاء النجاء لحاجتك لقد فضحك الصبح) (طبقات ابن سعد، تاريخ دمشق لابن عساكر، أسد الغابة، مقتل علي لابن أبي الدنيا، مروج الذهب، مقاتل الطالبيين، تاريخ الإسلام للذهبي)

[6] العاملي: علي والخوارج.

[7] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص310، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط1، 1959م، دار إحياء التراث العربي.

[8] نهج البلاغة خطبة رقم125.

[9] علي والخوارج لجعفر مرتضى العاملي نقلا عن البدء والتاريخ ج5 ص136 وراجع تاريخ بغداد ج1 ص160. قال: ولعل هذا الشعر قد قاله أولا أبو طالب، ثم أخذه علي (عليه السلام) يتمثل به..

[10] نهج البلاغة خطبة رقم58.

[11] نهج البلاغة خطبة رقم127.

[12] نهج البلاغة خطبة رقم184.

[13] نهج البلاغة خطبة رقم181.

[14] كما يتضح من أخبارهم في كتاب الكامل للمبرد، وهو متهم بالميل إليهم حيث أضفى عليهم صفات ليست لهم.

[15] أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص497.

[16] مصادر نهج البلاغة ج4 ص 297 عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص470.

[17] كنز العمال ج11 ص287 و308 عن أبي عبيد، والبيهقي، وابن أبي شيبة.

[18] أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص352 وبهج الصباغة ج7 ص155 و54 و142 والكامل لابن الأثير ج3 ص334 و335 ونقل عن الطبري أيضاً.

[19] مروج الذهب ج2 ص405.

[20] علي والخوارج لجعفر العاملي.

[21] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص365 و366.

[22] العاملي: علي والخوارج.

[23] الإمامة والسياسة ج1 ص157، وأنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص367 و368، نقلا عن علي والخوارج للعاملي.

[24] أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص497.

[25] تاريخ بغداد ج 1 ص 160.

[26] الكامل للمبرد ج3 ص391 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص203.

[27] الخوارج في العصر الأموي ص257. نقلا عن جعفر العاملي: علي والخوارج.

[28] العاملي: علي والخوارج نقلا عن سير أعلام النبلاء ج11 ص212.

 

10 صفر 1435هـ

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024