ما عُدتُّ أبالي بالحصار أو الموت/ صفاء السلطان

الكاتب: 

خمسُ سنوات لم تكن في حياتي إلّا خمسة آلاف سنة من الانتظار، على أمل أن أعبُرَ ذلك الجسرَ الذي يقهرُ الحصار، خمسٌ من السنوات وأنا أرى ألماً بعينيّ والدي الموجوع ألماً والمقهور حزناً وهو يراني أتلوّى من وجعي بين يديه، أعاني ألماً في الكلى، ووجعاً يعتصر روحي عندما رأيت والدي يبيع كُـلّ ممتلكاته؛ لكي أعبر الجسر المزعوم للعلاج في الخارج، وكلما أسمعُ صوتَ طائرة قادمة أستيقظ من فوري فرحاً بأنها أخيراً هي المنجية من ألمي وحزني، لكن لم تكن إلّا طائرة أممية جاءت لتحاول تهدئة وجع الملوك على المصالح الاقتصادية، كدت أنسى أن لا إنسانية لديهم؛ كي يأتوا من فورهم ويحاولوا إنقاذ جريح تعفنت جراحه ومتورم تفاقمت أورامه وسقيم توسعت أسقامه، كدت أنسى صديقي الذي مات في أحضان والده وعيناه شاخصتان إلى السماء منتظرة الطائرة التي أصبحت كحلم لدى الكثير منا، وكِـدتُّ أتغافلُ عن جارتنا المصابة بورم كان من الممكن معالجته في حال لم يضيقوا الخناقَ على مطاراتنا.

قلتها يوماً لأبي أن خذني للمقبرة فالمقابر متسعة، وقلتها يوماً للمنظمات المخادعة أن إذَا أردتم قتلنا فاقتلونا، فما عُدنا ننكسر أمام الموت وما عدنا نؤمن بأكاذيبكم وادعاءاتكم واستغلال أسمائنا للتجارة بها، هكذا يظهر أطفالنا المحاصرون المتسعة جراحهم يتحدون منظمات الدجل والخداع ويشيرون بأصابع الاتّهام لأمم تفاوضُ على جراحهم دونما اهتمام ولا احترام، يتحدثون بنظرات قاسية على أعدائهم مفادها إن شئتم قتلي فاقتلوني، فغداً بدمي ستسقط طائراتكم وستنكسر عنجهيتكم؛ لأَنَّنا لم نعد نؤمن بجسركم الطبي الموعود بل بشيء اسمُه الدفاعُ الجوي الذي سيمرّغُ أنوفَكم في التراب بإذن الله وإن غداً لناظره قريب.

دخول المستخدم
القائمة البريدية
استطلاع رأي
ما رأيك في موقع المجلس الزيدي
مجموع الأصوات : 0
صفحتنا على الفيسبوك
جميع الحقوق محفوظة 2024